أنت الزائر رقم: 149385

تفاصيل الدراسة

مساءات حمد الحمد الوردية    بقلم: خولة القزويني
11/05/2021

مساءات حمد الحمد الوردية بقلم: خولة القزويني



مساءات حمد الحمد الوردية!


بقلم: خولة القزويني


استغرقتني هذه الرواية العذبة بمساءات وردية تمنيت لو تمتد دون حدود لكن الرواية انتهت والحلم بقي.


استطرقت هذه الرواية من مداخل مختلفة تارة بإحساس قارئة، وتارة أخرى بإحساس أديب ومرة بإحساس باحثة، ومن كل الزوايا والاتجهات استطعت أن أفهم حجم الجهد الذي بذله الأديب حمد الحمد في نسج خيوط روايته، واستحضرت في وجداني ابداعات نجيب محفوظ وشخصيته الهادئة المتعمقة في المنابت ليتعايش المقهى في الشارع المصري والحارة بكل شخوصها وكأنه باحث يتناول شرائح المجتمع بشيء من التمحيص والغربلة ويدخل عمق كل شخصية بأسلوب أدبي متميز رشيق، وهنا أستطيع أن أجزم أن الأديب يتجاوز مرحلة الروتين ويدخل في حالة من الإبداع يتخلى فيها عن مزاجيته المرهقة وإحساسه المصقول ويتقمص أدوار الآخرين المعقدة التركيب بشء من الدقة وبتلقائية تجذب القارئ.


ورواية مساءات وردية تميزت بثوبها التراجيدي وبعده الإنساني المرهق فالأديب حمد الحمد ترك الآن ((بصمته المتميزة)) خلال مسيرته المتأنية في المجال الروائي، بدأ الآن يتشكل ويرسم له موقعاً وإطاراً ثابتاً يخصه هو بأناه المترزنة التي تتروى حتى تختمر في وجدانه كل عناصر الرواية ليصقلها قلمه خصب الأحاسيس، فرواية ((الأرجوحة)) و((مساءات وردية))نسجا له هنداماً أنيقاً لم يستطع بعد الآن التجرد منه.


ويمكنني اقتطاف من دوح هذه الرواية الخلابة بعض الأزاهير أضيئها من واقع قراءاتي لها.


الزهرة الأولى


(إنسانية)، البعد الإنساني الذي يلتقط قضايا المجتمع، فقضية السجناء لم تتشكل في ذهن القارئ إلا من منطلق سلبي، والرواية هذه سلطت الضوء على جزئية غاب عنها الكثير من الأدباء وهم ينسجون عبر روايتهم وقصصهم الوردية والتي تمثلت في الأعماق الداخلية لكل سجين، فبين الجدران الاسمنتية تعيش أرواح منهكة، متناقضة، تتباعد أحياناً وتتقارب عن محور مهم (الحرية)، ولفت الأديب نظر المسؤولين والمجتمع والعالم إلى بؤس وشقاء أناس نفاهم الزمن وراء الأسوار.


الزهرة الثانية


التوق والشغف وأنت تقرأ الرواية فصلاً بعد آخر، تتابع بنهم هموم السجناء تختلج فيك شتى الأحاسيس المبهمة مندهشا من حكايات هي أقرب إلى الخيال تنقلك من النقيض إلى النقيض ما بين التعاطف والاستنكار وهذا يعكس مصداقية الكاتب وحسه المفرط لأنه استطاع بمهارة وحذاقة أن يخلق بينك وبين الأبطال جواً حميماً من الألفة والتفاعل فتبدو كأنك عضو في ناديهم تتعايش يومياتهم!


الزهرة الثالثة


الأسلوب الواضح والبسيط مبتعداً عن الثرثرة والافتعال والتعقيد يجعل كتابات حمد الحمد مقروءة من جميع شرائح المجتمع وبالتالي يمكن لرسالته الاجتماعية أن يصل صداها في الأعماق وهدفه النبيل أن يتحقق بين الناس


الزهرة الرابعة


إنه يبحث عن شيء غير مألوف ويجتاز الأسلاك الشائكة... والنقاط المبهمة والجوانب المعتمة ليلقي عليها الضوء، وهذا هو المبدع المجتهد والعلامة الفارقة في إبداعات حمد الحمد التي ميزته عن غيره


الزهرة الخامسة


كان الأديب حمد الحمد متمكنا من الحبكة الروائية وملماً بأصولها وقد تصرف بتلقائية مدهشة إذ لم يترك ثغرة يمكن أن تتسرب منها الأحداث والأشخص فتبدو منقوصة، فالعمل إذا كان مترابطاً متكاملاً والشخوص تتحرك في أبعاد جغرافية مختلفة وتنقل بصورة متنامية ما بين الكويت ومصر ولندن، تتعايش في خيالك مناخاتهم المزاجية وتفاعلهم مع الأمكنة وتمددهم الطبيعي في سير الأحداث.


الزهرة السادسة


 


عامل التشويق كان واضحاً في سرد الذكريات والبوح التلقائي لكل شخصية من أبكال الرواية، حتى تود لو أنك تنهب الصفحات قراءة كي تعرف نهاية كل حكاية، لم يكن في الاعترافات ما يدخلك في الملل والإسراف بالعكس فمساحة البوح كانت استطراداً واقعياً جاذباً ضمن البعدين المكاني والزماني، تختصر أنفاسك اللاهثة عند نقطة محددة لتستعيدها في الأحداث اللاحقة.


في النهاية لست أمتلك أدوات فنية عالية التقنية كي أدخل في نقد هذا العمل بالقدر اللائق الذي يستحقه، إنما أحسست به كقارئة، تفاعلت معها بنبض وجداني، ولم يرهق قلمي عبثاً إنما استوحيت كل فكرة من واقع انطباعاتي النفسية، وأعتقد أن الأديب حمد الحمد قد وفق كثيراً في عمله الأدبي هذا ويستحق أن نسميه نجيب محفوظ في ثوبه الخليجي.