أنت الزائر رقم: 123660
خولة القزويني تصدر روايتها الثانية عشر
(هيفاء تعترف لكم)
حب الظهور هاجس أدباءنا
حوار: عواطف السلمان:
في ليلة شتائية دافئة، ممطرة، حيث باتت الأرض عارية للسماء ترتشف من رحيق غيمها ماء الحياة، التقيت مع الكاتبة الروائية خولة القزويني- إنسانة موشحة بالحب، محمومة بمشاعر الصدق، عالمها نبع من الشفافية متدفق، وأحلامها يختصر مسافاتها القلم، حلّقت بعالم الكتابة غير هيابة ولا وجلة، لم تثبط من عزيمتها الظروف، ولم يزعزع ثقتها النقد، في كتاباتها حشد من الفضائل والموعظة، ذات نزعة إيمانية، قلمها انعكاس لما بداخلها من شعور.
في حوار مستفيض صادق لنا معها، أجابت بعفويتها المعهودة بإجابات ما هي إلا ومضات من مشاعر عالمها الحالم، عزفاً على أنغام تعريف لها جديد.
· كيف تفجرت مكنونات الإبداع في داخلك؟ أهي موهبة أم الوراثة كانت شعاعاً للإبداع؟
حقيقة هي (أن الكتابة موهبة من الله) أولاً، أضيف لها عامل الوراثة، فالوالد رحمه الله كانت لديه ميول أدبية، إلا أن عامل الوراثة هنا قدٍ تم صقله بالقراءة المستمرة والمطالعة الدائمة، وأيضاً طبيعة شخصية الكاتب إذ تفرض عليه رهافة حسه أن ينظر إلى ما وراء الأشياء دائماً.
· مشوارك الثقافي، كيف نما ومن أي نبع ارتوى؟
في المدرسة في (حصة الإنشاء) بالتحديد.. عندما لاحظت معلمتي أسلوب كتابتي، إذ باتت تبث في روح التشجيع والمواصلة.. والقراءة المستمرة حتى في أيام العطل.. إلى أن بلغت سن الخامسة عشر ونشرت أول قصة لي على صفحات جريدة السياسة ثم المشاركة في مجلة صوت الخليج، ولن أنسى مدير تحريرها الذي ساهم كثيراً في دفع خطواتي إلى الأمام وذلك بطرح فكرة نشر ما أكتب من قصص، وفعلاً تم نشر كتابي الأول (مذكرات مغتربة) وأنا مازلت في سن الثامنة عرش في عام 1982 إذ كنت في عامي الأول للمرحلة الجامعية كما أني حصلت على المركز الأول في تأليف القصة القصيرة في الجامعة على مدى عامين على التوالي 1987 و 1988، ثم الكتابة في مجلة آفاق الجامعية بالتعاون مع الدكتورة نورية الرومي، التي لن أبخس حقها فلها مني كل التقدير والاحترام ومازلت حتى الآن أستزيد من وذلك من خلال حضوري لمجالس الأباء وأخص الروائي إسماعيل فهد إسماعيل- الذي قام بتنقيح كتابي الأخير (هيفاء تعترف لكم) ومروراً بكل تلك المراحل نمت الموهبة وما كان الدافع (الشهرة) أبداً بل هي الرسالة التي لطالما تمنيت أن أقوم بتوصيلها من خلال الكتابات، فأنا أعتبر الكاتب صاحب رسالة يريد توصيلها من خلال القلم.
· مشوار البوح على صفحة بيضاء، هو رحلة الغوص داخل النفس وتصوير لما هو قابع في كهوف أحشائها، كيف تقوم خولة بمصارعة أمواج هذه الرحلة؟ وكيف تشرع بمشوار التجديف بالقلم؟
الحدث، الموقف، قرون الاستشعار التي أحسها، الحالة الانفعالية، نمطية التفكير بالحدث ذاته، كل تلك الأمور تقوم بتشكيل رغبة البوح في داخلي، فالبكاء والحزن والألم كل تلك إيحاءات يولدها الانفعال الناتج عن تأثري بهذا الحدث، فالكتابة عندي حالة شعورية ترتبط بوجود الحدث.
· كتاباتك، هل هي تجارب شخصية ومعاناة ذاتية أم هي جروح الناس التي تركت أثارها على قلبك وفجرت كل تلك المعاناة في الكتابة؟
لا إنسان بدون معاناة، فلكل منا معاناته مع الحياة والظروف، فمشاكل الحياة والهزات النفسية تخلق تجربة خاصة للإنسان، والمجروح يحس بصاحب الجرح دائما، وشخصياً لا توجد معاناة بمعنى المعاناة، ولكنه إحساس بمعاناة الآخرين هو من سبب المعاناة لخولة أثناء كتاباتها.
· لم تتسم كتاباتك دوماً بالبساطة والوضوح والسرعة في الوصول إلى حل عقدة القصة؟
أنا أكتب بتلقائية متناهية ولا أقوم بإبراز عضلاتي اللغوية التي تعقد القارئ في فهمها ولا أستخدم الرموز الغامضة كما يستخدمها البعض، فالتكلف في الكتابة لا يخدم القصة من وجهة نظري.
· الصدق في الكتابة مبدأً، ما مدى التزامك بهذا المبدأ؟
سؤال جميل جداً، فالصدق في الكتابة هو صدق مع النفس، لأن الكتابة برأيي هي تعبير عن الذات، فكيف أكتب من دون صدق وأنا أعبر عن ذاتي، والصدق عنصر لابد وأن يتوفر في الكتابة حتى تصل إلى قلب القارئ وتحقق مرادها.
· انفردت (خولة) بأسلوب الأقاصيص نوعاً أدبياً يميز كتاباتها، فلماذا اختارت القصة هل لأنها فن أدبي سلس بطبيعته؟
نعم، فالقصة فن محبوب لدى الكثيرين لأنها لا تحتاج إلى تحليل أو جهد في الفهم كما أنها تخاطب الجانب العاطفي للإنسان، وهو الوتر الحساس الذي يمكننا أن نعزف عليه من أ جل غرس قيمة اجتماعية فاضلة في نفس القارئ.
· وهل استطاعت القصة فعلاً أن تلخص أفكارك؟
نعم وبشكل صحيح، لدرجة أجد فيها الانفعال واضحاً على مشاعري ووجهي، لأني استطعت معايشة الحدث فعلاً، فعندما كتبت قصة (عندما يفكر الرجل) تقمصت دور هذا الرجل البطل الذي استشهد في سبيل المبدأ، وهنا استطعت أن أعبر عن فكرتي لتصل بدورها إلى لقرائي الذين تفاعلوا مع هذه القصة بشكل عجيب أدى إلى طباعة هذه القصة أربع طبعات متتالية.
· على ضفاف الغياب، تغفو كتابات (خولة) فما السبب أهو تقصير منكِ أم من الصحافة؟
سؤال دائم، وما له سوى إجابات لطالما تكررت من قبل، بأني من أسرة محافظة جداً تلزمنا العادات والتقاليد، إضافة إلى تقصير الصحافة فعلاً، فما هو بالضروري أن أوضع تحت الأضواء ولقطات الكاميرا، إنما فكرة الكتابة هي الأساس، فسيدات الإسلام الأوائل لم نر أشكالهن، ولو كنت في أمريكا أو أوروبا لقدرت كتاباتي أكثر من الكويت، ولكن سطحية الإعلام هنا هي السبب.
· بين النجاح والفشل تولد أجمل لحظة للانتصار، فما النجاح وما الفشل في قاموس إبداعك؟
لم أذق طعم الفشل في حياتي، فثقتي بالله واستعانتي به في كل الأمور تمدني بشحنة من الأمل في النجاح، وما هو بفشل إنما هو قلق نفسي على فكرة القصة، على تجربة كتاب جديد... وأجمل لحظة انتصار كانت لحظة نشر كتابي الأول (مذكرات مغتربة) الذي أهديته إلى والدتي إذ لم أكن أتوقع نجاحه، فكان لنجاحه وقع كبير على قلبي لأنه منحني حافز الاستمرارية وأعطاني الجرأة التي كانت تنقصني عندما كنت أنشر بأسماء مستعارة مثل (شيماء الأصمعي، زهراء الزهراء، سحر الرحباني) ولا أذكر بأني في يوم قد أصبت بالإحباط على رغم الانتقادات التي تعرضت لها.
· النقد، متى يكون بناء ولم تلاشت فكرة النقد البناء في معظم الكتابات، فأي تعليق لكِ على ذلك؟
النقد الحقيقي هو أن آخذ بيدك وأرفعك إلى أعلى لا أن أقوم بتحطيم الموهبة التي تملكيها، كما يعتمد النقد على قدرة الناقد في فهم الكتابة وأن يكون ذو خبرة أدبية ويختلف هنا النقد فيما بين ناقد وآخر تبعاً لشروط النقد ذاته، أما عن تلاشيه في معظم الكتابات فيرجع إلى عوامل الحسد والغيرة ونقص الشخصية.
· هل نجحت (خولة) في كتاباتها؟ وما هو مقياس نجاح الكاتب في نظرك؟
قراء (خولة) هم من يحددوا نجاحها في كتاباتها ولست أنا، ومقياس النجاح في الكتابة هنا هو التفاعل فيما بين الكاتب والقارئ، فمتى ما توفرت لدي القدرة على الإحساس بهم وتحريك مشاعرهم والتعبير عن معاناتهم استطعت وقتها أن أثبت لنفسي بأني نجحت في عملية الكتابة.
· ماذا قدمت (خولة) للأدب الكويتي؟ وماذا قدمت رابطة الأدباء لـ (خولة)؟
الأدب الكويتي هو الذي يقيم ما أخذه مني، وأنا في كتاباتي لا أخاطب البيئة الكويتية فقط بل أخاطب العالم الإسلامي والعربي بصورة عامة، علماً بأن معظم قرائي من خارج الكويت، فشعبيتي في السعودية بالتحديد ودول الخليج تفوق الكويت حتى أني لم أكن أتوقع أن يكون لدي قراء من باكتسان أيضاً.
· هل حصلت خولة على تقييم لهذه الكتابات؟
أهم شيء قد تم تحصيله هو الالتقاء بنخبة من الأدباء تم الاستفادة منهم فعلياً، وذلك عن طريق التوجيه المستمر لبعض النقاط التي تحتاجها كتاباتي.
· كيف ترى خولة وضع الثقافة والأدب في الكويت؟ وهل تعاني من أزمة فعلاً؟
أتريدين الحقيقة، حب الظهور والرغبة في الحصول على الشهرة تغلب على طابع المحتوى الفكري، فمن خلال المخالطة مع الأدباء والأديبات شعرت بنفسي تجلس مع أناس تفتنهم أضواء الشهرة والرغبة في إبراز النفس ومعاملتها وكأنها نجمة سينما مشهورة فقط، فما الفرق إذن بين عارض الأزياء والممثل والمطرب هنا؟ فمنهم من يسعى وراء الإعلام ويطرق الأبواب على الصحفيين من أجل عمل لقاء معه أو الكتابة عنه ونشر صوره مقابل ثمن، فأين مبدأ الكتابة وأين القافة وأين الأدب؟ إذ استبدل الاديب فترة تربية النفس في زيادة التحصيل الثقافي وانشغل بالبحث عمن يكتب عنه إشباعاً لرغبته الذاتية في الوصول إلى ما لا يستحق الوصول إليه.
وهذا كلام يجمع عليه الكثيرون، وتحضرني هنا قصة إحدى أديبات أمريكا صاحبة القصة الشهيرة (كوخ العم توم) عندما تطرقت بقصتها هذه لمأساة السود مع البيض، وقد لاقت صدى كبيراً أجمع عليه المجتمع بأسره، وعندما تهافت عليها الصحفيون والإعلاميون رفضت المقابلة قائلة (أنا لم أكن سوى لسان الله على الأرض) ولم أفعل شيئاً، فانظروا للفرق هنا بين أدبائنا وأدبائهم وقصد الكتابة هنا وهناك.
· المرأة هي من أولى اهتمامات (خولة) في كتابتها، فماذا قدمت لها؟
تجربة مطلقة من واقع الحياة كانت تعرض نموذج المرأة المغرورة المتمسكة بنرجسيتها وذاتها بطريقة تجعلها تفقد استقرارها في بيت الزوجية، فتعاني أقسى أنواع المعاناة ثم تتحول المعاناة من السلبية إلى الإيجابية استفادة مما مضى.
سيدات وآنسات قصص تتحدث عن بعض التناقضات في البيئة وصراع الأم مع البنت، حكايات نساء في العيادة النفسية، ملفات حقيقية لنساء تعرضن لحالات الكآبة والحزن بسبب ضغوط الحياة اليومية ونظرة المجتمع للعانس والمطلقة والمراهقة.
البيت الدافئ وكيف تمثل المرأة الجانب الأكبر في تحقيق الدفء والاستقرار في منزلها.
· تذكر (خولة) في لقاءاتها بأن معظم قرائها من فئة الشباب والشابات، فما السبب؟ هل لأنها تخاطب هذه الفئة دوناً عن غيرها؟
أنا لا أقصد تحديد فئة الشباب فقط، فالكاتب يكتب للجميع ويخالط الجميع ولا يأنف المخالطة، بعد صدور أول كتاب له كما يحدث مع الكثيرين، ولكن ردود الأفعال هي من تثبت ذلك، فكتاباتي لا تتقبلها النخبة الأدبية لبساطتها وسلاستها ووضحوها، إنما أجد صداها عند هذه الفئة وهذا هو الهدف المنشود أن أغرس فيهم من خلال كتاباتي الفضائل المفقودة في هذا الزمن ولي خطط مستقبلية إن شاء الله في الولوج إلى عالم الشباب والتطرق إلى مشاكله وكيفية الوصول إلى حل لها.
· أين هي (خولة) من المشاركات الثقافية والأدبية؟ وهل قدمت لها دعوة لتمثيل الكويت في الخارج؟
تأتي الدعوات ولكنها الظروف الأسرية والاجتماعية التي تمنعني من الالتزام والمشاركة، فانا زوجة وأم لأربعة أطفال وعاملة، لذا لا أجد الوقت الكافي للالتزام سوى بكتاباتي.