أنت الزائر رقم: 123660

تفاصيل الدراسة

دراسة نقدية: عالم المرأة الخفي في " حديث الوسادة " بقلم عبد اللطيف الأرناؤوط
11/05/2021

دراسة نقدية: عالم المرأة الخفي في " حديث الوسادة " بقلم عبد اللطيف الأرناؤوط



دراسة نقدية


من الأدب النسوي الكويتي


عالم المرأة الخفي


في " حديث الوسادة "


بقلم: عبداللطيف الأرناؤوط ( عضو الأدباء العرب / دمشق )


تحاول الكاتبة الكويتية (خولة القزويني) في المجموعة القصصية (حديث الوسادة) أن تخرج المارد من القمقم ، والمارد هنا ليس جنياً يمنيك ويقول لك : (شبيك لبيك عبدك بين يديك) بل تريد ثورة المرأة النفسية حين تتفجر بعد كبت طويل ، فتحرق الأخضر واليابس.


الكاتبة المرأة حين تكتب عن عالم المرأة ، تبدو أكثر صدقاً وتوفيقاً من الكاتب الرجل، الذي مازال يتهيب النفاذ إلى أعماق المرأة الخفي ، لأنه لا يستطيع أن يتجرد من مشاعره نحوها، وهي مشاعر تعترض حياده وموضوعيته في إسباغ بعض تجاربه الذاتية عليها مع النساء ، فتبدو له أحياناً في صورة ملاك وأخرى في صورة شيطان ، وظلت لغزاً بالقياس إليه.


تتابع الكاتبة (خولة) الأزمات النفسية لبطلات قصصها المتزوجات وهي أزمات شارك في صنعها وتعميقها الرجل والمرأة معاً في مسيرة الحياة الزوجية ، وبدا الرجل أو المرأة أحياناً مسؤولاً عن إخفاق تلك الرابطة الزوجية التي كان تحققها حلماً ، والتي جمعت بين قلبين محبين ، إلا أن تدخل الزمن ، ووتيرة الحياة القاسية وأعباءها تخبو معها حرارة تلك العلاقة من الطرفين ، وتتبلد المشاعر والأحاسيس ليلمس أحدهما أو كلاهما النهاية المفجعة للحب الذي بدا بعد مخاض طويل ، وكأنه وهم خادع.


تكتشف المرأة أو الرجل برودة الرماد الذي خلفه وهج الحب ، يتوهم أحدهما أن الآخر فترت مشاعره تجاهه فيقابله بالبرود ، وتحفر الأزمة في نفسيهما جروحاً خفية إلى أن يبادر أحدهما إلى تصرف يفجرها.  والمرأة أحوج إلى الحب والحنان واليد الحانية ، فإن تفجرت أعماقها تصرفت برعونة وتهور.  وقد تقدم على الخيانة الزوجية أو تنفص حياة الزوج وتحطمه بسلبيتها ، والحقيقة أن الطرفين مسؤولان عن استمرار مشاعر الحب في غمرة أعباء الحياة ، بالكلمة الناعمة والهدية المعبرة ومواجهة المتاعب بابتسامة وتعاون.


تكتب (خولة) في مقدمة إحدى مجموعاتها القصصية : (أردت أن أبتعد عن جواء الخيال.  وأعود مجدداً إلى أرض الواقع لأعيش هموم المرأة ، كزوجة وأم وابنة وأخت وزميلة في العمل ، فجاءت بطلات هذه القصص حساً ناطقاً بأوجاع المرأة وآلامها النفسية ، وهي تتحمل الضغوط الاجتماعية على نفسيتها ، وعالم التمدن المعاصر ، وخروج المرأة إلى ميدان العمل .. ومسؤولية استهلاك أعصاب المرأة وخروجها من فردوس الزواج الفطرية ، حيث الحب وحنان الزوج، على أن رد الأزمات النفسية إلى خروج المرأة للعمل خارج البيت، ربما كان تعليلاً يحتاج إلى النقاش ، فليست كل النساء اللواتي يعملن خارجه تعيسات في حياتهن ، وليس اللواتي يلتزمن بيوتهن كلهن سعيدات بزواجهن).


في قصة (النافذة المفتوحة) تبدو (مريم) زوجة الحاج (عبدالعزيز) الذي بلغ الستين من العمر ، مخلوقة باردة الحس منذ أن تزوجها ، وكان ناجحاً في عمله ، ومنفتحاً على الحياة وجمالها ، ونفصت عليه برودتها وموت المشاعر في قلبها لذة العيش ، ودفعته إلى أن يتحول عنها ويتعلق بجارتهما (أماني) الأرملة الطروب المحبة للحياة ، ولما تزوج جن جنون (مريم) وتحول برودها إلى ثورة رعناء ، استنفرت فيها بناتها لمنع هذا الزواج بلا جدوى ، ورفضت أن تستقبل الزوجة الثانية في بيتها ، فهددها بطلاق بائن ، لكن قلبه وأعصابه لم تتحمل ثورة امرأته الجنونية التي أدت إلى إصابته بنوبة قلبية أنهت حياته ، وتبادلت الزوجتان التهم في مسؤولية موت ذلك الرجل المعذب الذي قضى نحبه ضحية رغبته في أن يتذوق السعادة إلى جانب امرأة ترعاه وتحبه بعد خيبة زواجه الأول.


وإذا كانت المرأة مسؤولة عن إخفاق الرابطة الزوجية.  فهي ليست أقل مسؤولية في قصة (خيانة زوجية) فقد تزوجت (سعاد) بطلة القصة برجل ناجح يعمل رئيس دائرة ، وقد تراكمت عليه أعباء العمل ، فتوهمت (سعاد)  وهي المرأة الشغوفة بحياة الترف والمغامرة ، أن نبع الحب قد جف من قلبه.   وارتبطت بعد تخرجها .. بمعارفها من الموظفات العابثات ، ودعم الفراغ والوحدة حاجتها إلى مصاحبتهن ، والتقت في مغامراتها وعبثها رجلاً نصب لها شرك الحب المزعوم ، فوقعت في براثن الخيانة الزوجية ، فلما سئم منها تخلى عنها ، وهددها أن يفضحها إن قطعت علاقتها به.


ويكتشف الزوج خيانتها من خلال مكالمة هاتفية ، فتثور ثائرته لكنها هددته مستغلة نفوذ عشيقها ، وطالبته بالطلاق ، وحاكت له مؤامرة أودت به إلى السجن ، فطلقها وتزوج ابنة خاله ، واستقر في حياته مع ولديه منها.  أما هي فقد عاشت وحيدة يعذبها السأم والوحدة والسقوط حتى انهارت وأدخلت مشفى الأمراض العصبية.


وفي قصة (نبضات زوجة معذبة) يجيئ الفشل من الرجل (سنوات طويلة تنتظر منه أن يصحو يوماً إلى صوتها الدافئ ، وأن يشعر بها ، ويفهم لغة عينيها وحرمانها الطويل بلا جدوى ، فقد انصرف عنها إلى أعماله ، وانصرافه هذا بعث في أعماقها مجدداً حباً قديماً لابن عمها (مصطفى) الذي عاشت معه ذكريات ومودة بريئة قبل الزواج.   وهو يعود اليوم من بلاد الغرب ، ويطاردها ليبعث في نفسها إحياء ذكرياتهما ، وتتهرب منه بدافع الحفاظ على رابطة الزواج المقدسة ، وحصانتها الخلقية ، لكن حرمانها وعطشها يدفعانها إلى الانهيار أخيراً.


وبطل قصة (المرأة .. الحلم) لا تستهويه النساء العاديات ، إنه يبحث عن امرأة ليست كالنساء ، قيمة المرأة لديه بما تملك من أعماق غنية ، ويتعرض لتشهير كل اللواتي حاولن صيده بمغريات الجسد والجمال الخارجي.


عبثاً .. يريدها امرأة ذات قيم مثالية .. ويحظى بها أخيراً ، امرأة يندى قلبها بالخير والحب والحنان .. وكأنها قادمة من عالم آخر ، اهتدت إليه بقلبها ومثلها، فيمد يده إليها قائلاً:  دعينا نرحل إلى كوكب آخر ، فأنت الوحيدة التي انتظرها سنوات طويلة.


وفي قصة (حديث الوسادة) ، ينتفي منها الحدث ، وتنطلق من نهايتها ، كلاهما يريد أن يتوثق من حب الآخر له ، بعد أن جهر الزمن مشاعرهما ، هي تشك أنه مفتون بحب ممثلة ، كان يرى في صورتها نموذجاً لكمال المرأة ، وترفض أن يكون لها في ذهنه منافسة حتى في خياله.  توقظه من نومه ، وتريه مفاتنها ، وتغيظه الغيرة إذ تعرض مفاتنها للناس ، أما الزوج فكان يثير غيرتها بصور الممثلات ، كان يمتحن مدى تعلقها به.  وأدرك من ردة فعلها مدى حبها له فاطمأن لذلك ، لكن خلال تجربة خطيرة كادت تدمر حياته ، وتقود الزوجة إلى الجنون ، لأنه فجر أعماقها حين بعث في نفسها الغيرة.


وقصة عنوانها (قصة منى) تستقبل البطلة عندها المجهول ، هي امرأة كانت في مرحلة دراستها الجامعية قبل الأنظار لتفوقها وشجاعتها وقوة شخصيتها، فتوقعت لها صديقتها (ابتسام) مستقبلاً زاهراً ، وتباعد بينهما الأيام ، لتلتـقيها موظفة عادية في دائرة حكومية ، وقد خمدت حيويتها ، وزال بريق جمالها ، وتخبرها (منى) أن المجتمع رفض كل طاقاتها ، فحاربها في كل موقع حاولت أن تحقق ذاتها ، رفضها كاتبة جريئة ومتخصصة في الإعلام، وتبدد طموحها بالائتمار والكيد للمبدعين ، فارتضت عملها المتواضع لتعيل أسرتها بعد وفاة أبيها، وتحولت إلى جثة هامدة بلا روح.


أما القصة التالية : (قصة هذا الرجل) نرى أن بطلها موظف صادق ومخلص، يعكف على عمله بأمانة في المحاسبة ، فيكتشف خللاً في ميزانية المؤسسة التي يعمل فيها ، فيبادر إلى المدير متوهماً أنه حقق إنجازاً في كشفه يستحق عليه المكافأة ، وفاته أن المدير ومن حوله هم الذين تلاعبوا بالميزانية لتتحول أموالها إلى جيبه وجيوب من معه من المنتفعين.


يستقبله المدير ويشكر له جهده ، ويعينه في بلدة نائبة بوظيفة أرقى ليتخلص منه ، لكنه لم يكف عن تتبع سرقات الزمرة المتآمرة على مال الشركة ، فيدبرون له حادث سير تنتهي بها حياته.


تريد الكاتبة (خولة) أن تبرهن أن الشر له مخالب وأنياب ولا يقاوم بالسذاجة والطيبة، لأن معركته وتصفيته تتطلبان أسلحة من جنسه وطبيعته.


وبطلة قصة (تمثال من الشمع) جنى عليها جمالها ، فبعد أن حصدت شهادات عليا في الحاسوب والإدارة ، لفت نظر دار للأزياء جمالها المتميز ، فأغرتها بأجر مرتفع ، وارتقت بها الشهرة إلى آفاق من الجاه والثروة والبريق ، ومع الأيام بدأ جمالها يذوي ، فتخلت عنها الدار بعد أن استهلكتها مثل أي سلعة مادية ، وفاتها قطار الزواج ، فعاشت منبوذة تجتر ماضيها المتألق ، وتطاردها لعنة أمها التي لم تكن راضية عن خيارها ، إنها ضحية هذه المدينة التي تقيم وزناً للشكل الخارجي وتهمل الروح ، وتستخف بحياة الإنسان.


وفي قصة (البدينة) تسرق أعباء الحياة بطلتها ، وتنسيها تربية الأولاد وواجباتها نحو نفسها وزوجها ، فترهل جسمها وعلته السمنة ، واستفاقت بعد سنوات على واقعها المحزن وأنوثتها المسحوقة ، فخيل إليها أن الزوج قد تخلى عنها ، وحاولت لفت نظره إليها دون أن يدرك عذابها النفسي ، وفاجأها في يوم عيد ميلادها بهدية لم تتوقعها : جهاز للجري يساعدها على استرداد لياقتها البدنية.  وتدرك هي أنها ما تزال تحتل موقعاً في قلبه ، فتفرح وتنسى عذابها النفسي وشكوكها الموهومة.


وبطلة قصة (ليلى تبكي حريتها) تبذل جهدها لتبديل صورة العمل الصحفي.  تعمل في إحدى المجلات ، وتقترح على رئيس تحريرها موضوعات جديدة ، وتحقيقات توجه المجتمع وتحل مشكلاتهم ، لكن الرئيس يهمه رواج المجلة ولو كانت موضوعاتها تافهة فيما ينشر من مواد للتسلية دون أن تعمق وعيهم ، فيرفض الموضوعات الجادة التي تقترحها، وتثور للقيود التي تأسر قلمها، وتفضل الاستقالة.


يتبين من هذه القصص أن المجتمع والمدنية بواقعهما المتردي مسؤولان عن العقبات التي تصطدم بها العلاقة بين المرأة والرجل سواء أكان بسبب دوره في التنشئة الاجتماعية أم بسبب جوهر العلاقات المادية التي تحكمه ، ولا يستطيع الرجل ، أو المرأة ، تجاوز هذه العقبات إلا إذا ملك الوعي وأدرك أن لحياته معنى ورسالة.


ومن الناحية الفنية تحاول الكاتبة (خولة القزويني) أن توفر لقصصها آفاقاً من التجديد إذ تتناول الأحداث وعرضها وهي أكثر توفيقاً في القصص القصيرة حيث تركز الضوء على الشخصية الإنسانية وأقل توفيقاً في قصتها الطويلة التي تبتعد أحياناً عن الشروط الفنية للقصة لأنها تثقلها بالتفاصيل الزائدة.


وما يميز الكاتبة (خولة) جمال أسلوبها ، ودقة رسم المواقف وتحليلها ، وملاحظتها الدقيقة للأجزاء ، وإن كانت تفرق أحياناً في الجزئيات التي يمكن الاستغناء عنها .. وتكتسب قيمة قصصها من النص الأدبي الجمالي وعمق تحليل الظاهرات الاجتماعية.