أنت الزائر رقم: 123660

تفاصيل الدراسة

خولة القزويني و((عندما يفكر الرجل))
11/05/2021

خولة القزويني و((عندما يفكر الرجل))



خولة القزويني و((عندما يفكر الرجل))


المنامة- فضيلة الشجار:


الكاتب الجيد هو الذي يكتب في بساطة موجهاً رسالته لمجتمعه لا لنفسه، وهناك مجموعة كبيرة من الشخصيات التي احتلت المنزلة الكبيرة في نفوس قارئيها، ومن ضمن هؤلاء صوت نسائي جميل، جريء، يناقش قضايا كثيرة في محاولة إصلاح بعض من مشكلات الحياة المختلفة من خلال توجيه دعوة صريحة ومؤثرة بشكل مباشر، وكثيراً ما تتردد هذا الصوت في السنوات الأخيرة، وكاتبتنا هي خولة القزويني ومن أعمالها: (مقالات)، (يوميات مغتربة)، (جراحات الزمن الرديء)، (البيت الدافئ)، (رسائل من حياتنا)، (حديث الوسادة)، (حكايات نساء في العيادة النفسية)، (هيفاء تعرتف لكم)، وغيرها.


واستوقتني روايتها (عندما يفكر الرجل)، إذ بدأت الرواية بمقدمة تجعلك تتساءل وتترسم علامات التعجب وتوقظ فيك شعورا نائماً، وتأخذك في رحلة تنتقل فيها من عالمك إلى عالم آخر أكثر واقعية، كما تصر على معرفة المزيد كلما قرأت، وإليكم مقطع من المقدمة التي حوت على معاني كثيرة رغم كلماتها القليلة:


((يقولون رجل.. لا يعرفون سر الرجولة التي تتفجر في ومضة فكر تحرق أعواد الظلم المتناثر في الشرق والغرب، والأروع من ذلك عندما كتبت: فإما (الأنا) وإما (الآخرون) وأقزام الأنا كثير في هذه الحياة، سيان وجودهم وعدمه، فهم رماد على الأرض لا نميزهم عن التراب..))


وتدور حوادث الرواية حول شاب يدعة محمد في العقد الثاني من عمره، طالب في العلوم السياسية بالجامعة، يجمع في نفسه إحساساً بالتحدي ضد هذه الألوان المتموجة التي يظهر بها الآخرون، ويود لو يملك القوة الهائلة لتغيير هذا العالم، فكل محاولاته تبلغ في تصاعد إلى الحد الذي يخسر فيه بعضاً مما يملك ومما يحس، يعيش في بيت متواضع مع والدته وأخت واحدة فقد توفي والد حينما كان صبياً صغيراً في الرابعة من عمره، ومن أصدقائه المقربين صديق طفولته محسن، وعلي.. الخ.


وأثناء قراءتك للرواية تجد أن الحوادث تتصاعد، خصوصاً بعد زواج محمد من ابنة خالته (منال)، التي تختلف معه في الأفكار والأهداف، ولو حللت هذا الزواج لوجدته تضحية وهذه ليس أول التضحيات بل يتبعها ما هي أكبر، كما لعمل محمد في صحيفة (المساء) عن طريق والد صديق طفولته (محسن) دور مهم في ذلك أيضاً.


كتب محمد مقالات يتناول فيها قضايا سياسية مهمة وحساسة، ولكن قوبلت مقالاته بعدم نشرها، وحاول رئيس التحرير بالتعاون مع سكرتيرته تدمير حياته في أولها وزوجته التي صدقت كل الأقاويل والدلائل الزائفة وخوصوصاً بعد المكيدة التي دبّرت له أثناء انعقاد مؤتمر في موسكو، فكانت مرافقة له في تغطية الحوادث وخلال وجوده هناك تعرف على بعض المسلمين ومعاناتهم، ةأثرت فيها بعض المواقف أثناء اختلاطها ببعض المسلمات واكتشفت أنها امرأة من رماد، وأحسّت بيقظة الضمير وما إن بدأت بالنهوض قتلت، وتجري حوادث كثيرة كحوادث حياتنا تماماً، وتتصاعد فجوة الخلاف بينه وبين زميله عادل، هذا الشاب الذي يمقت محمد وأصدقائه وعلى إثر صرخة في وجه الظلم ينقل محمد إلى المستشفى، ومنها إلى السجن، ومن ثم ينفى إلى تركيا، بعيداً عن أمه التي ماتت حينما سمعت بذلك، بعيداً عن ابنه حسن الذي لم يره، وكل ذلك للقضاء على صفحة مشرفة حاولت إصلاح الفساد، ولكن لم يثنه سياط التعذيب والحالة المزرية التي وصل إليها، بل مد له يداً ساعدته على النهوض، وبدأ حياته من جديد وخصوصاً بعد هجرته إلى لندن، إذ أعطى أكثر ما أعطى في وطنه، وتستقر حياته ويترزوج من جديد، ولكن هناك عيون ترصده وترصد أصدقائه فهذه دعوة مني لقراءة الرواية لمعرفة الكثير مما نجهله في حياتنا.


فالكاتبة لم تحدد زمن الرواية ولكن حين قرأت استنتجت من خلال القراءة الزمن فهو الواقع الآن في حياة أمتنا، كما لم تحدد وطناً حدثت فيه الرواية قبل نفي محمد فلأنها حدثت وتحدث في كل الأوطان العربية، فالكاتبة لا تود أن تمس وطناً دون آخر، فلأنها قضية تعم أمة بأكملها.


استخدمت القزويني أثناء تناولها الكثير من القضايا بأساليب عدة ومنها الشعر الذي كان مرآة لأصحاب المعاناة وللحوادث التي يواجهها محمد وأصدقاؤه.


استخدمت أسلوباً ثانياً ألا وهو الفن، ففي الغربة إذ سكن محمد مع مجموعة من الشباب، جمعتهم معاناة واحدة، فهيثم أديب، وعادل رسام كاركتير، ووائل فنان لديه الحس المرهف والصدقية،.


فالحياة ليست شوكاً وليست زهراً، بل هي مزيج من الاثنين، ولابد من لحظات جميلة يعيشها الإنسان في حياته وقد ذكرت جانباً رومانسياً متمثلاً في إعجاب محمد بكوثر وإخبارها بحبه لها وأنه يريدها زوجة. وبرزت بعد الزواج (قال محمد لكوثر):


-       أين تحبين أن نذهب؟


-       أجابت مطرقة: إلى لا نهاية، لا أريد لطريقنا نهاية.


تفرس في وجهها على مهل.


-       في عينيك بريق طاغ من الصفاء


عضت على شفتيها بخجل، رفع وجهها إليه:


-       دعيني أتأملك، لا تخجلي فأنا زوجك..


رمقته بحنان:


-       الطقس بارد... وجميل، إنه رائع يا محمد.


يغمض عينيه بقوله:


-       ما أحلى شفتيك أنت ترددين اسمي..


الكاتبة لم تسير في رواياتها على وتيرة واحدة بل نوعت في كثير من الأساليب، حتى لا يمل القارئ من ذلك، واختارت شخوصاً وأمكنة تتوافق مع حوادث الرواية وختمتها بعبارة رائعة، تحمل في طياتها عدم اليأس:


(إنهم قتلوا محمداً، لكن في الطريق ألف محمد).


أخيراً عندما تقرأ أي عمل أدبي إلى خولة القزويني، تجد نفسك منجذباً إلى قراءته مجدداً، إذ تدفعك كلماتها إلى النهوض، وإلى محاربة شهواتك والترفع عنها، فهذه رسالة الكاتب الحقيقية.


جريدة الوسط- العدد 398  9أكتوبر 2003